فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال القاضي أبو محمد: والزكوات أيضًا مال على حدته، أحكامه منفردة دون أحكام هذين، قال سفيان الثوري وعطاء بن السائب: الغنيمة ما أخذ عنوة والفيء ما أخذ صلحًا، وهذا قريب مما بيناه، وقال قتادة: الفيء والغنيمة شيء واحد فيهما الخمس، وهذه الآية التي في الأنفال ناسخة لقوله في سورة الحشر {وما أفاء الله على رسوله من أهل القرى} [الآية: 7] وذلك أن تلك كانت الحكم أولًا، ثم أعطى الله أهلها الخمس فقط وجعل الأربعة والأخماس في المقاتلين.
قال القاضي أبو محمد: وهذا قول ضعيف نص العلماء على ضعفه وأن لا وجه له من جهات، منها أن هذه السورة نزلت قبل سورة الحشر هذه ببدر، وتلك في بني النضير وقرى عرينة، ولأن الآيتين متفقتان وحكم الخمس وحكم تلك الآية واحد لأنها نزلت في بني النضير حين جلوا وهربوا وأهل فدك حين دعوا إلى صلح ونال المسلمون ما لهم دون إيجاف، وحكى ابن المنذر عن الشافعي أن في الفيء الخمس، وأنه كان في قرى عرينة زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وأن أربعة أخماسها كان للرسول صلى الله عليه وسلم خاصة دون المسلمين يضعها حيث شاء.
وقال أبو عبيدة: هذه الآية ناسخة لقوله في أول السورة {قل الأنفال لله والرسول} [الأنفال: 1] ولم يخمس رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم بدر فنسخ حكمه في ترك التخميس بهذه الآية.
قال القاضي أبو محمد: ويظهر في قول علي بن أبي طالب في البخاري كانت لي شارق من نصيبي من المغنم ببدر وشارق أعطانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخمس حينئذ أن غنيمة بدر خمست فإن كان ذلك فسد قول أبي عبيدة، ويحتمل أني كون الخمس الذي ذكره علي بن أبي طالب من إحدى الغزوات التي كانت بين بدر وأحد، فقد كانت غزوة بني سليم وغزوة السويق وغزوة ذي أمر وغزوة نجران ولم يحفظ فيها قتال ولكن يمكن أن غنمت غنائم والله أعلم.
وقوله في هذه الآية: {من شيء} ظاهره عام ومعناه الخصوص، فأما الناض والمتاع والأطفال والنساء وما لا يؤكل لحمه من الحيوان ويصح تملكه فليس للإمام في جميع ذلك ما كثير منه وما قل كالخايط والمخيط إلا أن يأخذ الخمس ويقسم الباقي في أهل الجيش، وأما الأرض فقال فيها مالك: يقسمها الإمام إن رأى ذلك سوابًا كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر، ولا يقسمها إن أداه اجتهاده إلى ذلك كما فعل عمر بأرض مصر سواد الكوفة.
قال القاضي أبو محمد: لأن فعل عمر ليس بمخالف لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، إذ ليست النازلة واحدة بحسب قرائن الوقتين وحاجة الصحابة وقلتهم، وهذا كله انعكس في زمان عمر، وأما الرجال ومن شارف البلوغ من الصبيان فالإمام عند مالك وجمهور العلماء مخير فيهم على خمسة أوجه، منها القتل وهو مستحسن في أهل الشجاعة والنكاية، ومنها الفداء وهو مستحسن في ذي المنصب الذي ليس بشجاع ولا يخاف منه رأي ولا مكيدة لانتفاع المسلمين بالمال الذي يؤخذ منه، ومنها المن وهو مستحسن فيمن يرجى أن يحنو على أسرى المسلمين ونحو ذلك من القرائن، ومنها الاسترقاق، ومنها ضرب الجزية والترك في الذمة، وأما الطعام والغنم ونحوهما مما يؤكل فهو مباح في بلد العدو يأكله الناس فما بقي كان في المغنم.
قال القاضي أبو محمد: وأما أربعة أخماس ما غنم فيقسمه الإمام على الجيش، ولا يختص بهذه الآية ذكر القسمة فأنا أختصره هنا، وأما الخمس فاختلف العلماء فيه، فقال مالك رحمه الله: الرأي فيه للإمام يلحقه ببيت الفيء ويعطي من ذلك البيت لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رآه، كما يعطي منه اليتامى والمساكين وغيرهم، وإنما ذكر من ذكر على وجه التنبيه عليهم لأنهم من أهم من يدفع إليه، قال الزجّاج محتجًا لمالك:
قال الله تعالى: {يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل} [البقرة: 215].
وللإمام بإجماع أن ينفق في غير هذه الأصناف إذا رأى ذلك، وقالت فرقة: كان الخميس يقسم على ستة أقسام، قسم لله وهو مردود على فقراء المسلمين أو على بيت الله، وقسم للنبي صلى الله عليه وسلم، وقسم لقرابته، وقسم لسائر من سمي، حكى القول منذر بن سعيد ورد عليه، قال أبو العالية الرياحي: كان النبي صلى الله عليه وسلم، يقبض من خمس الغنيمة قبضة فيجعلها للكعبة فذلك لله، ثم يقسم الباقي على خمسة، قسم له وقسم لسائر من سمي، وقال الحسن بن محمد وابن عباس وإبراهيم النخعي وقتادة والشافعي: قوله: {فأن لله خمسه} استفتاح كلام كما يقول الرجل لعبده قد أعتقك الله وأعتقتك على جهة التبرك وتفخيم الأمر، والدنيا كلها لله، وقسم لله وقسم الرسول واحد، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يقسم الخمس على خمسة أقسام كما تقدم، وقال ابن عباس أيضًا فيما روى عنه الطبري، الخمس مقسوم على أربعة أقسام، وسهم الرسول صلة الله عليه وسلم، لقرابته وليس لله ولا للرسول شيء، وقالت فرقة: قسم الرسول صلى الله عليه وسلم، بعد موته مردود على أهل الخمس القرابة وغيرها، وقالت فرقة: هو مردود على الجيش أصحاب الأربعة الأخماس، وقال علي بن أبي طالب: يلي الإمام منهم سهم الله ورسوله، وقالت فرقة: هو موقوف لشراء العدد وللكراء في سبيل الله، وقال إبراهيم النخعي وهو الذي اختاره أبو بكر وعمر فيه، وقال أصحاب الرأي: الخمس بعد النبي صلى الله عليه وسلم، مقسوم ثلاثة أقسام، قسم لليتامى، وقسم للمساكين وقسم لابن السبيل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يورث، فسقط سهمه وسهم ذوي القربى، وحجتهم فيه منع أبي بكر وعمر وعثمان لذوي القربى.
قال القاضي أبو محمد: ولم يثبت المنع بل عورض بنو هاشم بأن قريشًا قربى، وقيل لم يكن في مدة أبي بكر مغنم، وقال الشافعي: يعطي أهل الخمس منه ولابد ويفضل الإمام أهل الحاجة ولكن لا يحرم صنفًا منهم حرمانًا تامًا، وقول مالك رحمه الله: إن للإمام أن يعطي الأحوج وإن حرم الغير.
قال القاضي أبو محمد: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مخصوصًا من الغنيمة بثلاثة أشياء كان له خمس الخمس، وكان له سهم في سائر الأربعة الأخماس، وكان له صفيّ يأخذه قبل القسمة، دابة أو سيف، أو جارية ولا صفيّ لأحد بعده بإجماع إلا ما قال أبو ثور من أن الصفيّ باق للإمام، وهو قول معدود في شواذ الأقوال، وذوو القربى قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال علي بن الحسين وعبد الله بن الحسن وعبد الله بن عباس: هم بنو هاشم فقط، فقال مجاهد: كان آل محمد صلى الله عليه وسلم لا تحل لهم الصدقة فجعل لهم خمس الخمس، قال ابن عباس: ولكن أبى ذلك علينا قومنا، وقالوا قريش كلها قربى، وقال الشافعي: هم بنو هاشم وبنو المطلب فقط، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان بن عفان وجبير بن مطعم في وقت قسمة سهم ذوي القربى من خيبر على بني هاشم وبني المطلب: «إنمَا بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد ما فارقونا في جاهلية ولا في الإسلام».
قال القاضي أبو محمد: كانوا مع بني هاشم في الشعب وقالت فرقة: قريش كلها قربى، وروي عن علي بن الحسين وعبد الله بن محمد بن علي أنهما قالا: الآية كلها في قريش، والمراد يتامى قريش ومساكينها، وقالت فرقة: سهم القرابة بعد النبي صلى الله عليه وسلم موقوف على قرابته، وقد بعثه إليهم عمر بن عبد العزيز إلى بني هاشم وبني المطلب فقط، وقالت فرقة: هو لقرابة الإمام القائم بالأمر، وقال قتادة: كان سهم ذوي القربى طعمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان حيًا، فلما توفي جعل لولي الأمر بعده، وقاله الحسن بن أبي الحسن البصري، وحكى الطبري أيضًا عن الحسن أنه قال: اختلف الناس في هذين السهمين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال قوم: سهم النبي صلى الله عليه وسلم للخليفة، وقال قوم: سهم النبي صلى الله عليه وسلم لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم، وقال قوم: سهم القرابة لقرابة الخليفة، فاجتمع رأيهم أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل والعدة، فكان على ذلك مدة أبي بكر رضي الله عنه، قال غير الحسن وعمر و{اليتامى} الذين فقدوا آباءهم من الصبيان، واليتم في بني آدم من قبل الآباء وفي البهائم من قبل الأمهات، {والمساكين} الذين لا شيء لهم وهو مأخوذ من السكون وقلة الحراك، {وابن السبيل} الرجل المجتاز الذي قد احتاج في سفر، وسواء كان غنيًّا في بلده أو فقيرًا فإنه ابن السبيل يسمى بذلك إما لأن السبيل تبرزه فكأنها تلده، وإما لملازمة السبيل كما قالوا ابن ماء وأخو سفر، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة ابن زنى» وقد تقدم هذا.
قال القاضي أبو محمد: وقد اقتضبت فقه هذه الآية حسب الاختصار والله المستعان.
قال القاضي أبو محمد: و{ما} في قوله: {ما غنمتم} بمعنى الذي، وفي قوله: {غنمتم} ضمير يعود عليها، وحكي عن الفراء أنه جوز أن تكون ما شرطية بتقدير أنه ما، وحذف هذا الضمير لا يجوز عند سيبويه إلا في الشعر، ومنه:
إن من يدخل الكنيسة يومًا

وقرأ الجمهور {فأن لله} بفتح الهمزة، وقرأ الجعفي عن أبي بكر عن عاصم وحسين عن أبي عمرو {فإن} بكسر الهمزة، وقرأ الحسن {خمْسه} بسكون الميم، وقوله تعالى: {إن كنتم آمنتم بالله} الآية، قال الزجّاج عن فرقة: المعنى فاعلموا أن الله مولاكم إن كنتم، {فإن} متعلقة بهذا الوعد، وقال أيضًا عن فرقة: إنها متعلقة بقوله: {واعلموا أنما غنمتم}.
قال القاضي أبو محمد: وهذا هو الصحيح، لأن قوله: {واعلموا} يتضمن بانقياد وتسليم لأمر الله في الغنائم فعلق أن بقوله: {واعلموا} على هذا المعنى أي إن كنتم مؤمنين بالله فانقادوا وسلموا لأمر الله فيما أعلمكم به من حال قسمة الغنيمة، وقوله: {وما أنزلنا} عطف على قوله: {بالله} والمشار إليه ب {ما} هو النصر والظهور الذي أنزله الله يوم بدر على نبيه وأصحابه، أي إن كنتم مؤمنين بالله وبهذه الآيات والعظائم الباهرة التي أنزلت يوم بدر، ويحتمل أن تكون الإشارة إلى قرآن نزل يوم بدر أو في قصة يوم بدر على تكره في هذا التأويل الأخير.
قال القاضي أبو محمد: ويحتمل أن يكون المعنى واعلموا أنما غنمتم يوم الفرقان يوم التقى الجمعان فإن خمسه لكذا وكذا إن كنتم آمنتم، أي فانقادوا لذلك وسلموا وهذا تأويل حسن في المعنى، ويعترض فيه الفصل بين الظرف وما تعلق به بهذه الجملة الكثيرة من الكلام، و{يوم الفرقان} معناه يوم الفرق بين الحق والباطل بإعزاز الإسلام وإذلال الشرك، و{الفرقان} مصدر من فرق يفرق و{الجمعان} يريد جمع المسلمين وجمع الكفار، وهو يوم الوقعة التي قتل فيها صناديد قريش ببدر، ولا خلاف في ذلك، وعليه نص ابن عباس ومجاهد ومقسم والحسن بن علي وقتادة وغيرهم، وكانت يوم الجمعة السابع عشر من رمضان في السنة الثانية من الهجرة هذا قول جمهور الناس.
وقال أبو صالح: لتسع عشرة، وشك في ذلك عروة بن الزبير، وقال لتسع عشرة أو لسبع عشرة، والصحيح ما عليه الجمهور، وقوله عز وجل: {والله على كل شيء قدير}، يعضد أن قوله: {وما أنزلنا على عبدنا} يراد به النصر والظفر، أي الآيات والعظائم من غلبة القليل الكثير، وذلك بقدرة الله تعالى الذي هو على كل شيء قدير. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء}
اختلفوا، هل الغنيمة والفيء بمعنى واحد، أم يختلفان؟ على قولين:
أحدهما: أنهما يختلفان.
ثم في ذلك قولان:
أحدهما: أن الغنيمة: ما ظُهر عليه من أموال المشركين، والفيء، ما ظُهر عليه من الأرضين، قاله عطاء بن السائب.
والثاني: أن الغنيمة: ما أُخذ عنوةً، والفيء: ما أُخذ عن صلح، قاله سفيان الثوري.
وقيل: بل الفيء: ما لم يوجَفْ عليه بخيل ولا ركاب، كالعشور، والجزية، وأموال المهادنة، والصلح، وما هربوا عنه.
والثاني: أنهما واحد، وهما: كل ما نيل من المشركين، ذكره الماوردي.
وقال الزجاج: الأموال: ثلاثة أصناف؛ فما صار إلى المسلمين من المشركين في حال الحرب، فقد سماه الله تعالى: أنفالًا وغنائم، وما صار من المشركين من خراج أو جزية مما لم يؤخذ في الحرب، فقد سماه: فيئًا؛ وما خرج من أموال المسلمين كالزكاة، والنذر والقرب سماه: صدقة.
وأما قوله: {من شيء} فالمراد به: كل ما وقع عليه اسم شيء.
قال مجاهد: المِخْيَط من الشيء.
قوله تعالى: {فَأَنَّ لله خُمُسَهُ} وروى عبد الوارث: {خُمْسَهُ} بسكون الميم.
وفي المراد بالكلام قولان:
أحدهما: أن نصيب الله مستَحَقٌ يُصرف إلى بيته.
قال أبو العالية: كان يجاء بالغنيمة فيقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على خمسة أسهم، فيقسم أربعة بين الناس، ثم يجعل من السهم الخامس للكعبة؛ وهذا مما انفرد به أبو العالية فيما يقال.
والثاني: أن ذِكر الله هاهنا لأحد وجهين.
أحدهما: لأنه المتحكِّم فيه، والمالك له، والمعنى: فإن للرسول خمسة ولذي القربى، كقوله: {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول} [الأنفال: 1].
والثاني: أن يكون المعنى: إن الخمس مصروف في وجوه القُرَب إلى الله تعالى، وهذ قول الجمهور.
فعلى هذا، تكون الواو زائدة، كقوله: {فلما أسلما وتلَّه للجبين وناديناه} [الصافات: 103] المعنى: ناديناه، ومثله كثير.